السير فرانسيس بيكون، فيلسوف وعالم ومحامي ورجل دولة، توفي عام ١٦٢٦م. وحدث لما تكاثرت الكتب بغثها وسمينها بعد انتشار الطباعة، أن فزع أصحاب ومريدي بيكون إليه ولسان حالهم يقول:
تكاثرت الظباء على خراش ..... فما يدري خراش ما يصيد
فكانت نصيحة بيكون الشهيرة: "بعض الكتب للتذوّق، وبعضها للبلع، والقليل منها للمضغ والهضم." ثم يُفسّر ذلك بقوله: "بعض الكتب يُقرأ منها أجزاء فقط؛ وبعضها يُقرأ، ولكن بلا تمعُّن؛ والقليل منها يُقرأ بتمعُّن وعناية."
إذن، نصيحة بيكون هذه تخصنا جميعاً، فقد كثرت الكتب الآن بشكل لم يسبق له مثيل، وأصبح الشخص يحتار فيما يقرأ، وبما يبدأ. والحل سهل إذا طبقنا ما قاله هذا الرجل. كثير من الكتب التي تراها ويشدك موضوع فيها هي بعبارة بيكون "للتذوّق فقط"، يكفي منها قراءة فصل، أو جزء محدّد. وهذه الكتب لا تستحق الاقتناء، فتزحم بها مكتبتك، التي يجب أن تقتصر -في رأيي- على النوع الثالث فقط، دون غيره.
ثم يأتي النوع الثاني، كتب "للبلع". كم من الكتب عندك تكفيها قراءة واحدة سريعة؟ أظن أنها تحتل نصف مكتبتك؛ فقل لي بربك لماذا تحتفظ بها عندك؟ هذه الكتب يجب إعادة تدويرها، ولا أقصد إعادة تدوير الورق، أقصد أن تعطيها لصديق، أو تذهب بها لمحل بيع الكتب المستعملة. ولا تجعلها تزحم مكتبتك وهي ليست جديرة بالقراءة مرة ثانية وثالثة.
والآن النوع الثالث والأخير، كتب "للمضغ والهضم". تخيّل معي أن كل مضغة = قراءة للكتاب؛ فأنت تمضغ اللقمة جيداً كي يسهل هضمها، كذلك يكون في قراءة هذه النوعية من الكتب. اقرأها مرّات عديدة، كما تفعل في المضغ للقمة الواحدة، ثم اهضمها بتحليلك لكلماتها ومعانيها، حتى يمتص عقلك كل فائدة فيها. وهذه الكتب التي تحتفظ فيها في مكتبتك إلى أن يحين أجلك.
لا تنس أيها القارئ الكريم أن الكتب لم تكن يوماً بهذه الكمية التي تراها الآن، ولا تنس أيضاً أن القدماء كانوا يحذرون من كتب لم يكن فيها نفع يُذكر، في وقت كانت فيه الكتب قليلة وعزيزة، فما بالك بمثل حالنا اليوم.
أجد شخصياً أن نصيحة بيكون هذه من النصائح الذهبية التي يجدر بكل محبّ ومدمن للقراءة أن يعمل بها، وقد أفادتني كثيراً.
ملاحظة: إن كانت مساحة مكتبتك كبيرة جداً، فافعل ما تُريد.
كما قيل: "كم من كتاب أفصح مافيه بياضه"
ردحذفنصيحة اكثر من رائعة
ردحذفبالفعل نحن بحاجة لإعادة ترتيب مكتباتنا على اساس هذا التصنيف
دمت بالف خير
شكرا لك على النصائح المهمة فعلا كثرة الكتب محيره
ردحذففرانسيس بيكون من الفلاسفة الملهمين...خدم التراث المعرفي بعقليته الرائدة في التصنيف..وما نصيحته التي تفضلت بشرحها الا أثر لتلك العقلية الفريدة.
ردحذف