09 يناير 2011

خطأ تاريخي في "تاريخ ابن لعبون"

بقلم
د. عبدالله بن محمد المنيف
قسم الآثار - كلية السياحة والآثار - جامعة الملك سعود

يعد الشيخ حمد بن محمد ابن لعبون المتوفى قريباً من عام ١٢٦٠هـ، صاحب كتاب "تاريخ حمد بن محمد ابن لعبون" من أميز مؤرخي نجد في القرن الثالث عشر الهجري, ولكن تأخر نشر كتابه، على الرغم من أهمية أفقده الكثير من الأهمية لدى دارسي التاريخ السعودي الحديث.

لهذا يشكر لسعادة أخي الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله ابن لعبون، أستاذ الجيولوجيا في جامعة الملك سعود المعروف عند الكثير، قيامه على تحقيق هذا العمل ونشره, مع ما تنامى إلى علمي قيام الدارة بتكليف أحد الأساتذة على تحقيقه مرة أخرى.
وقد استوقفني في هذا التاريخ الذي يقع في (٧٨٤) صفحة، ونشر عام ١٤٢٩هـ/ الموافق ٢٠٠٨م، في الكويت، حدثاً واحداً حاولت أن أتناوله وأعرض له، نتيجة ما يحمله هذا الحدث من إشكالات سوف تبرز خلال هذا العرض.
أقول إن أبرز ما استوقفني في هذا التاريخ هو: لماذا اختلف تحديد شهر اغتيال الإمام تركي بن عبدالله بن محمد؟ وما أسباب هذا الاختلاف مع غيره من المؤرخين المعاصرين لهذا الحدث المهم والمعاصر للمؤلف ابن لعبون؟ وهل ما أورده هو الصحيح؟ أو ما ورد عند غيره هو الأصح؟ 
وإذا افترضنا جدلاً, أن ابن بشر في عنوان المجد ناقل عن ابن لعبون هذا الحدث, والفاخري ناقل عن ابن بشر الذي هو مصدره في غالب تاريخه. فلماذا لم ينقل أي من المؤرخين: ابن بشر والفاخري عن ابن لعبون هذا الاختلاف، ولماذا اختلفا عنه؟
فهذا يقودني شخصياً إلى أن أسأل نفسي مرة أخرى، هل ابن بشر اعتمد كلياً على كتاب ابن لعبون؟ أم كان مجرد اعتماده على ما يجد أنه صواب، فإن خالف ابن لعبون الصواب لم يتابعه؟
فهذا -إن صح- أمر يحمد للمؤرخ ابن بشر الذي يعد كتابه: عنوان المجد، بما يحويه من تفاصيل للأحداث خير كتاب يعتمد عليه في تاريخ الدولتين السعودية الأولى وجزء من الدولة السعودية الثانية.
أعود إلى الحدث الذي ألمحت إليه، فأقول إن حادثة اغتيال الإمام تركي بن عبدالله حسب ما ورد في تاريخ ابن لعبون, جاءت على هذا النحو:
"وفيها [أي ١٢٤٩هـ] في يوم الجمعة آخر شهر ذي القعدة: قتل الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود رحمه الله تعالى، بعدما خرج من المسجد بعد صلاة الجمعة" وهنا وقع اتفاق واختلاف، فالاتفاق على تحديد السنة وهي عام ١٢٤٩هـ، والاختلاف كان في تحديد الشهر.
وعلى أهمية هذا التاريخ، وما اشتهر من أن اغتيال الإمام تركي كان في آخر ذي الحجة سنة ١٢٤٩هـ، وليس في شهر ذي القعدة. فإنني لم أجزم بأيهما يكون هو الصحيح؟
 مع اشتهار ما أورده ابن بشر, ومتابعة الفاخري له. إلا أن رأي ابن لعبون لابد أن يؤخذ في الحسبان للمعاصرة، لهذا أعتقد أن ما أورده مُهم للحدْس التاريخي، وخصوصاً أن معاصرته للأحداث لا تختلف عن معاصرة غيره، فهل أصاب فيما كتب؟ 
أو أن غيره هو الذي وقع عنده الصواب؟
 لهذا فإن أمر تحديد الشهر أيهما أصح يترك إلى أشياء أخرى لا تقل أهمية، مثل:
 وصية الإمام تركي، أو وثيقة توزيع إرثه، أو حصرها، أو أي شي متعلق به, كما يمكن أن نطلع على مصادر أو وثائق أخرى غير ما جاء عند ابن لعبون وابن بشر والفاخري.
وهذا الحدث نفسه الذي، هو اغتيال الإمام تركي، قادني إلى أن أتناول في السياق نفسه، من شارك في ذلك الحدث، ومن كان الفاعل والمدبّر لاغتيال الإمام تركي؟
تُجمع المصادر الثلاثة المبكرة والمعاصرة التي أوردت الحدث أن مدبر الأمر هو: مشاري بن عبدالرحمن بن مشاري بن سعود. فمن يكون مشاري هذا؟ وما صلته بالإمام تركي؟ وهل اسمه متفق عليه؟
أوْرد ابن لعبون (ص ٧٠٥) اسم القاتل كاملاً بهذه الصفة:" قتله مشاري بن عبدالرحمن بن مشاري بن سعود".
أما ابن بشر (ص ٣٤٣-٣٤٤) فقد جاء عنده ما نصه: بعد ذِكْرِهِ مقتلَ الإمام تركي ليعرف بالقاتل: " وذلك أن مشاري بن عبدالرحمن بن مشاري بن سعود من الذين نقلهم إبراهيم باشا إلى مصر..."، وعلى هذا فالاسم لا يختلف عنه عما ذكره ابن لعبون.
أما الفاخري (ص ٢٠٧)، فيذكر الاسم ثنائياً فقط: "وفي سنة ١٢٥٠هـ، قُتل مشاري بن عبدالرحمن بعد قَتْلِهِ تركي بن عبدالله...". 
وأضيفُ إلى هذه المصادر الثلاثة مصدراً رابعاً هو: تاريخ بعض الحوادث لابن عيسى، الذي ورد فيه اسم القاتل ثلاث مرات:
أولاهما: في عام ١٢٤١هـ (ص١١٤). 
وثانيهما: في عام ١٢٤٩هـ.
والأخيرة في عام ١٢٥٠هـ (ص١١٨).
وعن صلته بالإمام تركي، فقد جاءت بصفتين في هذه المصادر السابقة، يستثنى من ذلك ابن لعبون. أما ابن بشر فقد جاء ذكر مشاري موصوفاً بصلة القرابة بالإمام تركي، مرة: ابن عم (ص٣٣١)، وثانية: بصيغة خاله- يعني الإمام هو خاله- (ص٣٠٧)، وأخيراً جمعاً بين صيغة: خاله – أي تركي خالاً لمشاري- وابن عمه (ص٣٤٤). 
وقد تابع ابنُ عيسى ابنَ بشر في ذلك، فمرة جعله خاله، أي تركي خالاً لمشاري (ص١١٤)، ومرة جعله ابن عم له (ص١١٨). 
وهنا يظهر جلياً أن الاسم متفق عليه بين المصادر، وأن الخلاف جاء عند من حقق بعض هذه المصادر، ثم نقلت المراجع بعضها من بعض، لهذا نجد أن معالي الشيخ الدكتور عبدالله الشبل، عندما علق على الفاخري في هامش تاريخه، أورد أن صحة الاسم -بزعمه- هو مشاري بن عبدالرحمن بن حسن بن مشاري بن سعود، من غير مُسوِّغ لهذا الاجتهاد ولا دليل،(ينظر تاريخ الفاخري هامش ٣ ص ٢٠٧).
ومع أهمية هذه الشخصية إلا أن المتابع لهذا الحدث والاسم المذكور فيه يجد فيه إشكالاً. وقد أورد ابن بشر دلالة مهمة عن هذه الشخصية تساعد على معرفتها بشكل أدق، فقد ذكر أن القاتل هو ابن أخت الإمام تركي، كما أنه في مقام ابن العم في الوقت نفسه.
وبهذا نفهم أن والدة مشاري بن عبدالرحمن بن مشاري بن سعود، أختاً للإمام تركي رحمه الله، ومع ذلك لم نجد لهذه الأخت الشهيرة ذكراً لدى كل من اهتم بمشجرة آل سعود قديماً كالشيخ عبدالرحمن بن عبداللطيف آل الشيخ في "نسب آل سعود"، أو التميمي في "مشجرته"، أو في "الجداول الأسرية" لشيخنا عبدالرحمن الرويشد -أطال الله في عمره_.
كما أن مشاري بن عبدالرحمن نفسه، الذي قَتَلَ الإمام تركي، لم يرد له ذكر في كتاب الجداول الأسرية، وأما الذي ذُكر في كتاب الجداول فهو: مشاري بن عبدالرحمن بن حسن بن مشاري بن سعود، وليس مشاري بن عبدالرحمن بن مشاري بن سعود، فليتنبه إلى ذلك.
كما جاء أيضاً، على غلاف مخطوط "شرح العمدة" للمقدسي الحنبلي، اسم نورة بنت عبدالرحمن بن مشاري بوصفها واقفة للمخطوط، ولم أجد لها ذكراً عند أحد من الباحثين.
وبهذا أقول أن مشاري بن عبدالرحمن، وأخته نوره، لم يرد لهما ذكر في أي من الكتب التي عنيت بأسرة آل سعود المباركة.  
وفي الختام أجدني مدعواً إلى القول بأهمية أن يُعاد النظر بالتصحيح والتكميل عند إعادة طبع كتاب "الجداول الأسرية لسلالات العائلة المالكة السعودية"، وأن يُدعم شيخنا الشيخ عبدالرحمن الرويشد, وتُهَيَّأ له السبل في ذلك، ليتمكن من إتمام عمله بالوجه المأمول منه، بعد أن يتعاون معه جميع أبناء أسرة آل سعود وغيرهم من ذوي الصلة، ممن يحتفظون بمخطوطات أو وثائق فيها ذِكر لأيِّ من آل سعود، وعندي الكثير من الملحوظات التي يمكن أن أقدمها في دعم مثل هذا العمل إن شاء الله.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق