01 سبتمبر 2011

من أين نستقي تاريخنا؟

كنت يوماً أناقش صديق في مصادر التاريخ، ولأنني لم أتقن بعد فنّ التنصل من الحوار مع المعاند -فما زلت أحاول تطبيقه- دخلت معه في مجادلة، ومما قرع عندي ناقوس الخطر، أنه استهزأ بالرأي المطروح، وهو أن التاريخ يؤخذ من شتى المصادر في مختلف الفنون، وجعل ذلك نكتة دعته للضحك -أو التضاحك-.

والحقيقة لا يُلام صاحبي، فهو بعيد عن التاريخ من حيث التخصص والاهتمام، وكذلك عُلّم وعُلّمنا جميعاً في المدارس: التاريخ يؤخذ مما كتبه المؤرخون فحسب! والواقع أن هذا الاتجاه كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى. هل سمعت أيها القارئ الكريم بمقولة "التاريخ يكتبه المنتصر"؟ فاعلم أنها نتيجة مباشرة لكوننا لا نأخذ التاريخ إلا مما كتبه المؤرخون. فالمؤرخ غالباً ما يهتم بجانب واحد فقط في كتابه، ويُغلّبه على غيره من الجوانب؛ فلا تخرج منه إلا بجزء من الصورة. ولنتخيل أن أمامنا أحجية مصوّرة (jigsaw)، ونحن نجمع أجزاء الصورة ونركبها لنرى المنظر العام مكتملاً. ما يُقدّمه لنا مؤرخ ذلك العصر هو جزء من الصورة، فإن نحن أهملنا ما كتبه وصنعه ورسمه وقاله أهل ذلك العصر من غير المؤرخين، بقي الجزء الأكبر من الصورة غائباً عنا، وظلّت الصورة مشوّهة في أذهاننا.

ولكنني متفائل بأن ذلك سيتغيّر بإذن الله. فقد طرحت سؤالاً على تويتر، وساعدني الإخوة في نشره في الفيس بوك وجوجل+، وهو: من أين تؤخذ المعلومات التاريخية؟ وقد شارك في الإجابة ٤٣١ شخص. وهذه النتائج أمامكم مشجّعة:



كيف إذن تنتفي مقولة "التاريخ يكتبه المنتصر"؟ نُقارن ما كتبه المنتصر، بالمصادر كلها: أثرية، كتابية، شعرية، غنائية، تشكيلية، شفهية ... إلى آخره. وهناك مثال يحضرني كشفت فيه الآثار عكس ما قاله "المنتصر" وهم هنا الرومان، عن المهزوم، وهم هنا "البرابرة" في أوروبا. ولعلك تجد فيه دليلاً مُلزماً يدعونا إلى اعتماد المصادر الأخرى، إلى جانب كتابات المؤرخين.








وانظر بقية المقاطع من نفس الحلقات، بضغطك على اسم صاحب الصفحة

ما أردت قوله هنا: إن لم نعتمد في معلوماتنا التاريخية على مصادر أخرى غير ما كتبه المؤرخين، سنظل دائماً نحمل في أذهاننا صورة ناقصة عن الماضي، وكأننا نقرأ فقط الصفحة السياسية من الجريدة لا غير. وبالتالي، فسنجهل الكثير عن ثقافتنا، وفكرنا، وسنعيش حاضرنا، ونرسم خطط مستقبلنا بناءاً على معلومات ناقصة، مشوّهة.

هناك تعليقان (2):

  1. غير معرف14 سبتمبر, 2011

    من واقع تجربة في الكتابة التاريخية اتفق معك ان المصادر لابد ان تكون منوعه بل وقد تكون المعلومات مذهله وتظهر جانب مخفي من التاريخ ولكن الاشكالية في ردات الفعل المشككة في المصادر "الغير مألوفة" والاعتماد عليها يحتاج لجهد كبير في التأكد من مدى مصداقيتها ودقتها بعكس المصادر المتعارف عليها لذلك نلاحظ الاعتماد على المصادر التقليدية والعزوف عن غيرها.

    ردحذف
  2. غير معرف22 ديسمبر, 2011

    الغالبية يجهلون ما هو التاريخ وكيف يكتب التاريخ!! لذلك هذه الأفكار لن تضمحل ببساطة

    مناهج التاريخ (((في التعليم العام خصوصاً))) يجب أن يعاد النظر فيها، فكيف يُدرس التاريخ لطلاب لا يعرفون ما هو التاريخ فضلاً عن أهميته

    ردحذف